العنف الزوجي… بين النصوص القانونية وضرورة التفعيل على أرض الواقع.

بقلم: عمر بنعليات – باريس:  23 شتنبر 2025.

تعتبر المرأة ركيزة أساسية في بناء المجتمع، فهي الأم والمربية والزوجة والابنة، ولا يمكن لأي وطن أن يحقق العدالة والازدهار دون احترام كرامتها وصون حقوقها. ورغم ما تحقق في المغرب على مستوى التشريعات، لا يزال العنف الزوجي يمثل واحداً من أخطر الانتهاكات التي تهدد استقرار الأسرة وتمس إنسانية المرأة وكرامتها.

وفي هدا الصدد، أصدر المغرب قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي جرم مختلف أشكال العنف: الجسدي، النفسي، الجنسي والاقتصادي. وجاء في مادته الأولى:
“العنف ضد النساء، هو كل فعل مادي او معنوي او امتناع اساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عنه ضرر جسدي او نفسي او جنسي او اقتصادي للمرأة”

كما منح هذا القانون للنيابة العامة والمحاكم صلاحيات واسعة لإبعاد المعتدي، وتوفير الحماية الفورية للضحايا، وتمكينهن من المواكبة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي.

وبالعودة إلى النصوص الشرعية، فقد سبقت إلى تكريم المرأة وصون مكانتها، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“لا يكرمهن الا كريم ولا يهينهن الا لئيم”
وهذا الحديث يلخص فلسفة قائمة على أن الزواج ميثاق غليظ أساسه المودة والرحمة، لا العنف ولا الإهانة.

وفي هذا الإطار، وبالاقليم سيدي افني ،عقدت اللجنة المحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف بالمحكمة الابتدائية بالمدينة يوم 10 يوليوز 2025 اجتماعاً موسعاً، حضره ممثلو مؤسسات الدولة من قضاء، إدارة ترابية، المؤسسة الامنية، المؤسسة التعليمية . وكدا فعاليات جمعوية، اللقاء خلص إلى مجموعة من التوصيات كان أبرزها:

  •  تعزيز الحماية المادية والنفسية للضحايا وأطفالهن.
  •  اعتماد إجراءات استعجالية لإبعاد المعنِّف.
  • تقوية المواكبة الصحية والقانونية والنفسية.
  • تفعيل دور النيابة العامة في الردع والحماية.

وقد رُفعت هذه التوصيات إلى اللجنة الجهوية قصد التنسيق والعمل على تفعيلها، غير أن السؤال الجوهري الدي يفرض نفسه اليوم:
إلى أي حد ستُترجم هذه التوصيات إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع وتقوم بدورها الاساسي في حماية الضحايا بعيدا عن العقلية الذكورية وتقافة تبرير العنف؟

فبالعودة إلى روح ومضمون قانون 13-103 نجد أن مؤسسة النيابة العامة تتحمل مسؤولية محورية في قضايا العنف الزوجي خاصة والعنف ضد النساء عامة، فالقانون يميز بين الجنحة حين يكون العنف بسيطاً، والجناية إذا نتج عنه عجز أو إعاقة مستديمة ودائما حسب التكييف القانوني للفعل الجرمي.وبالتالي، فإن أي تساهل قد يحول ملفاً بسيطاً إلى مأساة كبرى، بينما الصرامة في تطبيق القانون تظل الضمان الحقيقي لحماية النساء وصون كرامتهن.

إلى جانب دور الدولة، يظل المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية فاعلاً أساسياً في محاربة العنف الزوجي. فهي تقوم بـ:

  • التوعية والتحسيس بخطورة الظاهرة وتغيير العقليات التي تبرر العنف.
  • مرافقة الضحايا قانونياً ونفسياً واجتماعياً.
  • الترافع والضغط لتفعيل القانون 103.13 بصرامة على أرض الواقع.
  • المطالبة بتجويد التشريعات وسد الثغرات القانونية، خصوصاً في ما يتعلق بالاغتصاب الزوجي والعنف الاقتصادي والدي غالبا ما يتم السكوت عنه لأسباب دينية وثقافية مرتبط بعقلية المجتمع وسيادة تقافة التابوهات.

يجب التدكير أن حماية المرأة ليست قضية “خاصة”، بل قضية مجتمعية كبرى ترتبط بحماية الأسرة ونصف المجتمع الذي لا يستقيم بدونه النصف الآخر.
كما أن العنف الزوجي ليس شأناً داخلياً أو نزاعاً عابراً، بل هو جريمة تمس حقوق الإنسان، وتنعكس آثارها على استقرار الأسرة والمجتمع. وما لم يتم الانتقال من مستوى النصوص والندوات إلى مستوى التفعيل الفعلي، ستبقى الفجوة قائمة بين القوانين والواقع.

ختاما، نؤكد إن الدفاع عن المرأة وصد جميع أشكال العنف ضدها، وخاصة العنف الزوجي، هو دفاع عن كرامة المجتمع كله، وعن قيم العدالة والرحمة التي لا يمكن أن ينهض الوطن بدونها.

 

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد