شخصيات رمضانية : سيدة الطنطان الحديدية الأستاذة المديرة للا فاطمة القبايلية رحمها الله بقلم عبد الخالق حسين.
1- توفيت رحمها الله سنة 2017…
..مديرة مدرسة لالة مريم (ثمانينيات القرن الماضي)..بمدينة طانطان..بشارع الحسن الثاني..
المديرة الحديدية..الأستاذة والام والقدوة…امرأة بالف رجل..
2- نسترجع ذكريات الطفولة :
سنة 1983 .. في كل صباح على الساعة 7:30 السيدة فاطمة واقفة على باب المؤسسة..صفوف التلاميذ تنتظم خارج المؤسسة..بصرامة عسكرية تراقب الهندام تلميذا تلميذا..والنظافة..وتسريحة الشعر..وتركز على تسوية اظافر اليدين..كل هذا مع نغمات النشيد الوطني..والاغاني الوطنية التاريخية مثل :”هي هي دولة المغرب””مغربنا وطننا روحي فداه..”..والاغاني التربوية المؤثرة “معلمي هي يا رائدي..” و”مدرستي الحلوة”…كل الساكنة بمحيط المؤسسة كانت تستمتع بالنغمات كل صباح..لا مجال للنوم في محيط المدرسة بعد السابعة صباحا..المؤسسة التربوية هي “قائدة التنوير والتنمية” في المجتمع؛ هذه هي فلسفة الأستاذة فاطمة.. للتذكير هذه الفلسفة تبنتها الوزارة (بعد عقود) تحت مسمى انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها..
لقد كان الدخول الى مدرسة للا مريم عرسا تربويا حقيقيا..
3- داخل المؤسسة كل الساحات وجنبات الاقسام؛ عبارة عن ورشات.. وفضاءات لتعلم المهارات الحياتية؛ هنا قفص “لتربية الارانب والبط” ..وهناك مزرعة “لاستنبات الورود”..ويكلف التلاميذ بالتعلم بالممارسة “اطعام هذه الدواجن”..و”سقي ورعاية الأزهار”..
أما جدران القاعات فكلها صور بسيطة؛ لكنها ملهمة وساحرة..
وفي المناسبات الوطنية دائما السيدة فاطمة في المقدمة أزياء وانشطة وتنظيما..كان احسن استعراض هو الذي يقدمه تلاميذها..تسهر على كل التفاصيل ..تصاحبهم ..من بداية الحفل حتى رجوعهم الى بيوتهم..طبعا الشكر موصول لكل الأطر التربوية بالمؤسسة…
لقد بصمت السيدة فاطمة تاريخ مدرسة للا مريم باخلاقها وحسن تواصلها مع الجميع..
4- والجميل انها “بلباسها المغربي التقليدي” الذي يذكرنا بمغرب مقاومة الاستعمار..ومغرب المغفور له محمد الخامس..بهذا اللباس جسدت للا فاطمة انموذج المرأة المغربية القادرة على اثبات الذات والتميز والعطاء والابداع والإدارة التربوية والانسانية الناجحة..المرأة التي تجمع بين قوة الشخصية وممارسة “الحرية المسؤولة”.. والالتزام بالاخلاق الفاضلة..والتي تمارس “إدارتها” بآخر النظريات البيداغوجية العالمية..كأنها تملك إلهاما؛ سر الآية “واتقوا الله ويعلمكم الله”..
بل كانت احيانا “بالنقاب المغربي التقليدي”البسيط والجميل.. الغير مقلد للشرق ولا للغرب؛ تقدم قواعد الاتيكيت و نصائح في الاناقة لتلميذاتها؛ كيف “يصففن شعرهن” !!..
هكذا “يحتفظ” المدرس العظيم” باختياراته الشخصية لنفسه؛ و يلتزم بالتطبيق الصارم للتوجيهات التربوية الرسمية..
5- (( علق أحدهم غاضبا؛ هذا سلوك منافق؛ إن المديرة تمارس عكس ما تؤمن به !!..أجبت: رأيك يدل على باع طويل في “الحمق”..إن المسؤول في الدولة؛ يحكمه الوفاء بالعقود..فهو متعاقد مع الدولة على تطبيق البرنامج الذي صادقت عليه “الأمة” بلجانها ومؤسساتها.. وليس من حقه أن “يلزم” الاطفال باختياراته واجتهاداته واذواقه.. فللمدرس “رؤيته الخاصة” المحترمة؛ ولكن للمؤسسة رؤية يصوغها “عقل الأمة الجمعي”..فالافكار الشخصية نمارسها بحرية مع النفس و في البيت .. أما المؤسسة فهي فضاء لتعليم الانفتاح والحرية والمسؤولية الشخصية.. أما كلمة “النفاق” ياهذا؛ فليست مصطلحا اداريا ولا اقتصاديا.. بل تختص بالمعتقدات الدينية فقط .. وفي ما يخص مجال التدبير فالمواطن إما “مؤدي للامانة” او “خائن لها” وله عقوبة إدارية قانونية وليس دينية على تقصيره.. وللاسف مثلكم من دمر عقول ابنائنا..وخلط المفاهيم..وعرقل التطور الطبيعي للعقل والعبقرية المغربية… وانتج اجيالا من الحيارى والمتنطعين والمتعالمين !!))انتهى..
6 – قلت كما كنا نجد السيدة فاطمة رحمها الله حاضرة بقوة داخل معمعة العمل الاجتماعي والتضامني؛ وقضاء حوائج الناس؛ والاستماع لهموم أولياء الأمور..بدون عقد ولا إدعاءات دينية متنطعة..
فقد كانت رحمها الله “موسوعة تربوية واخلاقية” تمشي على الارض ..
7- عندما اسمع الحديث المكرور عن أزمة المدرسة ..وازمة التعليم في المغرب ..واتذكر السيدة فاطمة القبايلية..كمديرة مدرسة ابتدائية بسيطة..في مدينة بسيطة..في ثمانينيات القرن العشرين!! ..أدرك أن نقاشاتنا احيانا مؤسفة..ومنطلقاتها مغلوطة..
فنحن لازلنا لم نؤسس “البراديغم المغربي المغربي” لمعالجة قضايانا المصيرية..(تأملوا دعوات الحريات الفردية في 2019 !!!)..
أعرف واجزم اننا نعاني من”أزمة مسؤولية وكفاءة وطنية” بالاساس.. وهي أزمة تجمع متناقضين : وطنيون تنقصهم الحكمة؛ وسفهاء ينقصهم الحياء !!..قال في مثلهم سيدي عمر بن الخطاب :” اللهم اني اعوذ بك من جلد الفاجر ؛ وعجز التقي.”..
والنتيجة المنطقية لهذين “الشبحين” هي قتل روح التضحية المبنية على “روح التحدي” و”روح تمغربيت”..
أما (المدرسة والعملية التعليمية) فليس لهما “لسان” ليدافعا عن نفسيهما !!!..
8- لكن كونوا على يقين ان الباطل كان “زهوقا”..
لقد تخرج العلماء والعباقرة والمبدعون.. من تحت “الخيام وبضوء الشمع؛ وباقلام السمخ وريشة القصب؛ وبألواح الصلصال..و”ماء وتمر” وشئ من “أرز قليل”..وقماش بالكاد يصل الركبتين؛ يسمى لباسا !؟..ولازالت مجلدات الشاطبي وابن خلدون والمختار السوسي..يطير الواحد فرحا اذا حصل على شهادة دكتوراه؛ لانه “حقق ودرس” ” عشرة صفحات” من المقدمة أو المعسول…
وشاهدة منجزاتهم وعبقريتهم على أن العظماء يصنعهم مربون “عظماء”..
وأن عظماء المغرب انجبتهم (مدرسة وفلسفة ورؤية ووطنية واخلاق وحياء وصرامة) ؛ امثال “امنا فاطمة القبايلية” سليلة التربية المغربية الصوفية ولا فخر…
9- لقد كانت السيدة فاطمة رحمها الله من هؤلاء “العظماء” الذين مروا هنا من الطنطان .. وبالضبط من شارع الحسن الثاني..جاءت من طنجة عروسة الشمال الى الطنطان عروسة الجنوب..ما اشتكت فاطمة من البعد او الغربة او فراق الاهل..يوم كان الفراق “فراقا حقيقيا” لمن لم يقرأ تاريخ بلاده عموما وتاريخ منطقتنا بالخصوص !!؟؟..
لكن فاطمة تربت نفس تربية “اجدادنا و والدينا” خدمة الوطن من أي “نقطة وبلدة” اختارها لهم القدر..
فما بال هذا الجيل الجديد يقتله التذمر والاسى والتسخط ؟!..
10- لا زلت مصرا أن يكون “شارع الحسن الثاني” بالطنطان متحفا ومزارا دوليا..وسيبقى هذا حلما الى أن يقيض له القدير سبحانه طنطانيا ” قويا وأمينا” يأخذ كتابه بقوة.. الم اقل لكم ذات يوم؛ لقد مر من هنا؛ العالم كله في المسيرة الخضراء ؟؟.
11- هذه احدى عظيمات الطنطان وما أكثرهن.. وليسمعني الخلف ذكورا وإناثا.. كفى من ” لعب الصغار”.. فهذه سيرة سلفكم القريب..
فليترك احدنا “منجزا واحدا” .. تبتسم له الطنطان؛ وتترحم به عليه الاجيال..( يا يحيى خذ الكتاب بقوة.)
لكن عزائي أنه ” يؤتي الحكمة من يشاء “..
12- ومن خلال روح السيدة فاطمة رحمها الله..
ابلغ تحياتي لكل نساء ورجال التعليم بطانطان..ومنهم التحية موصولة الى اطر التعليم (بجهة كلميم واد نون)…
واخص “المديرين الجدد”؛و”اطر الإدارة” الذين اغلبهم اصدقاؤنا وزملاء دراستنا ..
أعرف كفاءاتكم .. وواثق من مهاراتكم وغيرتكم..
فلتجعلوا مؤسساتكم افضل (من احسن ) مؤسسات العالم المتقدم.. نعم؛ انهم يملكون الإمكانات المادية..و..و..و…
لكنكم تملكون “روح التحدي” روح الطنطان..
وسنذكر بالخير جميلكم على ابناء الطنطان والجهة .. وستنقش الطنطان اسماءكم في سجل تاريخها وذاكرتها ..
** واعلموا “أن الله لا يضيع اجر من احسن عملا”..
فلننطلق وفقكم الله..