القفة الرمضانية بين العمل الخيري وصراع المصالح: قراءة من زاوية الاقتصاد الكلي والجزئي، Macro/Micro.بقلم: عمر بنعليات.
مع حلول شهر رمضان، يعود الجدل حول توزيع القفف الرمضانية في إقليم سيدي إفني ليطفو على السطح، لكن هذه المسألة تتجاوز البعد الإحساني أو الاجتماعي، لتصبح ورقة سياسية تُستخدم في الصراعات الحزبية، وبينما يُفترض أن تكون هذه المساعدات عملاً خيرياً لصالح الفئات الهشة، فإنها في الواقع تتحول إلى أداة لإعادة إنتاج الولاءات الانتخابية، وهو ما يطرح إشكاليات كبرى حول نزاهة المشهد السياسي المغربي.
من خلال مقاربة اقتصادية تعتمد على الرؤية الماكرو-اقتصادية (Macro) التي تركز على الصورة العامة للمشهد السياسي والاقتصادي، والرؤية الميكرو-اقتصادية (Micro) التي تغوص في تفاصيل الممارسات المحلية، يمكننا تحليل هذا الجدل وفهم أبعاده العميقة عبر تلات محاور أساسية.
1. من Macro إلى Micro: كيف يؤثر الصراع السياسي الوطني على التفاصيل المحلية؟
الصراع السياسي بين حزبي التجمع الوطني للأحرار (RNI) والأصالة والمعاصرة (PAM) ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لصراعات سابقة مرتبطة بالمصالح والتموقعات داخل دوائر السلطة وتفاوت درجات الولاء . فقبيل الانتخابات الأخيرة، وجه عبد اللطيف وهبي امين عام حزب الأصالة والمعاصرة اتهامات خطيرة إلى عزيز أخنوش امين عام حزب التجمع الوطني للأحرار تتعلق بمبلغ 17 مليار درهم، وهو الرقم الذي تحول إلى رمز للفساد السياسي في نظر الكثير من المغاربة بعد التصريحات النارية للسيد عبداللطيف وهبي كصك اتهام مباشر لغريمه عزيز اخنوش. غير أن هذه الاتهامات سرعان ما اختفت بعد أن أصبح وهبي وزيراً للعدل في حكومة أخنوش، مما يثير تساؤلات حول مصداقية هذا الخطاب وجدوى هذه الصراعات إن كانت تنتهي بتسويات خلف الكواليس دون معرفة مصير 17 مليار.
على المستوى الماكرو، يظهر أن الصراع بين الحزبين لا يتعلق بتنافس ديمقراطي صحي لمصلحة الوطن بل هو مجرد صراع على المواقع والنفوذ، دون أي رؤية واضحة لتحسين أوضاع المواطنين. وهذا يعكس طبيعة المشهد السياسي المغربي، حيث تتحكم المصالح الشخصية والولاءات في توزيع السلطة أكثر مما تتحكم البرامج والتوجهات الحقيقية.
2. القفة الرمضانية في سيدي إفني: هل هي دعم اجتماعي أم حملة انتخابية مبكرة؟
إذا انتقلنا من الرؤية الماكرو-اقتصادية إلى الميكرو-اقتصادية، سنجد أن الجدل حول القفة الرمضانية في سيدي إفني يعكس نفس الصراع لكن على نطاق محلي. فالاتهامات التي وجهت لحزب التجمع الوطني للأحرار باستغلال هذه المساعدات في حملة انتخابية مبكرة، تطرح تساؤلاً مشروعاً:
هل الهدف هو فعلا دعم الفئات الهشة، أم شراء الولاءات السياسية استعداداً للاستحقاقات القادمة؟
بالمقابل فإن عدم وجود أدلة مادية ملموسة على هذه الاتهامات، باستثناء صورة شاحنة أمام منزل في حي للا مريم، يضعف قوة هذه الادعاءات، في ظل انتشار الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، فمن الصعب تصور وقوع تجاوزات بهذا الحجم دون توثيقها بوضوح. أضف إلى ذلك أن الجهة التي نشرت الخبر او حاولت أن تتبوز (البوز) فقدت الكثير من مصداقيتها بعد التجاوزات التي سجلت عليها خلال الانتخابات الأخيرة، مما يجعل من الصعب الاعتماد عليها كمصدر موثوق للمعلومة.
لكن كل هده الاتهامات والاتهامات المضادة لا يعني أن توزيع القفف الرمضانية يتم بنزاهة كاملة. فالواقع أن هذه المساعدات غالباً ما يتم استغلالها سياسياً، سواء من طرف الأحرار أو أي حزب آخر، وبدون استثناء، لأن المشهد السياسي في المغرب لا يزال يعاني من زواج المال والسلطة، حيث تتحكم طبقة الأوليغارشية في التشريع والاقتصاد، وتستغل هذه الممارسات اللاقانونية واللااخلاقية لضمان استمرار هيمنتها على المؤسسات والمجالس الترابية.
3. القفة الرمضانية بين النقد الموضوعي وتصفية الحسابات السياسية
وجهة نظرنا في هذا الموضوع لا تعني أننا ندافع عن حزب التجمع الوطني للأحرار أو غيره من الأحزاب احتراما احتراما لروح المثل الشعبي المغربي ( ليس في القنافد املس )، فهذا الحزب (حزب الأحرار ) يتحمل مسؤولية كبرى في تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن المغربي، خاصة مع الارتفاع الصاروخي للأسعار وقتل القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة أضف إلى دالك سيطرته على القطاع الفلاحي والصيد البحري لعقدين من الزمن وبنتائج كارنية على القطاع، أما المحروقات فحدت ولاحرج، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن اعتبار كل انتقاد يوجه إليه صادقاً أو نزيهاً، خاصة إذا كان صادراً عن خصومه السياسيين وأحزاب ولدت ولادة غير شرعية والذين يستخدمون نفس الأساليب عندما تسنح لهم الفرصة وخير مثال ما فعله كبيرهم بالصحفيين والحقوقيين وهو حامل لحقيبة وزارة العدل.
إن النقاش حول القفف الرمضانية في إقليم سيدي إفني، رغم أهميته، يبقى في كثير من الأحيان مجرد واجهة لصراعات أعمق تتعلق بالتموقعات داخل دوائر النفوذ والولاء للحكم، ولو كان الهدف الحقيقي هو الدفاع عن حقوق الساكنة، والمستضعفين، لرأينا جهات محايدة، ومعروفة بمصداقيتها ونزاهتها تتبنى هذا الملف بدل أن يكون مجرد وسيلة في يد أحزاب تتصارع على المكاسب السياسية بعيدا عن كرامة المواطنين وحقوقهم.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم والدي بغرض نفسه، كيف يمكننا تجاوز هذه الصراعات الضيقة والانتقال إلى منافسة سياسية قائمة على البرامج والحلول؟
لكن طالما أن المال السياسي يلعب دوراً أساسياً في المشهد الحزبي، وطالما أن الأحزاب تستغل حاجات المواطنين كوسيلة لاستمالتهم وشراء ذممهم، فإن الوضع لن يتغير. فالمطلوب اليوم هو إعادة التفكير في العلاقة بين العمل الاجتماعي والممارسة السياسية، حتى لا تتحول القفف الرمضانية من عمل خيري إلى أداة لشراء الولاءات السياسية.
ما لم يحدث ذلك، ستظل السياسة في بلدنا الحبيب مجرد سوق للمصالح، حيث تُوزع القفف في رمضان، بينما تستمر أزمة المعيشة طوال السنة ويستمر هدر الزمن التنموي بلا هوادة.
كنتُ أتمنى صادقا أن يكون النقاش أكثر جدية ودو اهداف محددة ، وألا يقتصر على الصراعات الحزبية حول القفف الرمضانية والضرب من تحت الحزام، بل أن يشمل قضايا جوهرية تعتبر رافعة حقيقية لتنمية المدينة والإقليم، هناك ملفات مصيرية تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وتدخلات على أعلى مستوى، مثل:
ميناء سيدي إفني: الذي لا يزال دون المستوى المطلوب، في حين أن تطويره يمكن أن يجعل منه قطباً اقتصادياً مهماً يعزز الأنشطة البحرية والتجارية.
الطريق الساحلية سيدي إفني – طانطان: التي تعد شرياناً استراتيجياً لربط المنطقة بباقي الأقاليم وتحفيز النشاط الاقتصادي.
إشكالية العقار: التي تشكل عائقاً كبيراً أمام الاستثمار والتنمية، وتتطلب حلولاً جذرية لتحرير الأراضي وتشجيع المشاريع الكبرى.
الاهتمام بالشباب وتأهيلهم: من خلال برامج تكوينية حقيقية تتناسب مع متطلبات سوق الشغل، بدلاً من الاكتفاء بالشعارات واستغلالهم كوقود في صراعات حزبية دون فائدة.
خلق ملحقات للجامعات الكبرى: لتمكين الطلبة من باقي مدن الممكلة متابعة دراستهم داخل الإقليم لخلق ثورة فكرية واقتصادية ستحرك عجلة الاقتصاد.
الانفتاح على العالم القروي: عبر تعزيز البنية التحتية والخدمات في القرى المجاورة، لضمان تنمية متوازنة تشمل الجميع.
هذه هي القضايا التي يجب أن تكون محور النقاش الحقيقي، لأنها هي التي ستحسن حياة المواطنين وساكنة الإقليم وتخلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية حقيقية، أما الصراعات حول القفف والمساعدات الموسمية، فهي مجرد حروب جانبية لن تغير واقع المدينة في شيء، كما أن التغيير يفرض علينا ان نبدأ بأنفسنا قبل مطالبة الغير بدالك، مصداقا لقوله عز وجل في سورة الرعد ” إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
عمر بنعليات
باريس،
التلاتاء 18 مارس 2025