تداولت بين عامة الناس عبارةٌ, كلما اشتكى أحدهم من تعب التربية، مخاطبين إياه” إوا الله يسمحلنا من حق الوالدين”. وأنا أقول:”الله يسمحلنا من حق الوليدات”. وهنا لا أنفي الأولى بالثانية ولكنني أردت تسليط الضوء على جانب مهم جدا من علاقة الوالدين بأبنائهم. جانب قد يغفل عنه الكثير منا متجهين للتقليد المتداول، تاركين بذلك جزءً هاما من مسؤولياتهم تجاه فلذات أكبادهم.
يأتي صغيرا لهذه الحياة، لا حول له ولا قوة. ويبدأ عدُّ عُمره يومٌ ويومين وثلاث، ثم شهر وشهرين، ثم سنة وهكذا.. رويدا رويدا. لم يقرر مجيئه ولم يخطط لذلك. لكنك من خططت وقررت، فكنت بحاجة مُلِحّة لتنجب وتحتضن طفلك، ليستجيب ربك ويؤتيك سُألك، وهذه بحد ذاتها نعمة كبيرة من الله عليك.
إذاً.. أنت من قررت، وها أنت تحمل طفلك بين يديك. صفحة بيضاء خالية من كل سوء قد تشكو منه. ما تزرعه اليوم ستحصده غدا لا محال. حب وحنان أم كراهية وسوء معاملة، حضن واهتمام أم عنف ولامبالاة، خُلق حسن وتربية طيبة أم سوء خُلق وتربية. كل ذلك مسؤوليتكما كأب وأم، لأنكما صاحبا المشروع، اخترتُما طريقه عن نضج ووعي.
ليس هذا فحسب، فقد يعتقد البعض أنهم يحسنون رعاية مولودهم، غافلين عن بعض الجزئيات التي قد تسبب لهذا الأخير إعاقة بدنية أو ذهنية. جسد فتي بين يديك قد تُسيء حمله والتعامل معه، مسببا إياه كسرا أو اعوجاجا. وقد تؤدي بك لحظة غضب واحدة لخلخلة دماغه، أو قد تكون سببا في تشويه صورته الخِلقية، كما قد تعرضه للشلل أو الموت (لا قدر الله). فيومها لن ينفعك ندمك ولا حسرتك، لأنك كسّرت ما لن تستطيع توضيبه. ناهيك عن لحظات الشجار بين الوالدين، والتي تمس بنفسية طفلهما الصغير, وتؤثر في تكوين شخصيته عند الكِبر.
ظروف العمل وضغوطات الزمان قد تجعل منا آباء غير صالحين. فقبل أن تقرر الانجاب، فكر جيدا في حجم المسؤولية التي تنتظرك. سهر وتعب وعياء، ولحظات لا تخلو من المتعة والمرح. لكن، ما عليك إلا أن تبقي عيناك منفتحتان عن كل خطر قد يصاب به طفلك وهو يكتشف الأشياء من حوله، او قد تسببه أنت في لحظة غضب او سهو. لا ننكر أن الخالق هو الحافظ، لكنك مجبر لِتذكُّر واجباتك تجاه طفلك، ومجبر لتحملها على أكمل وجه.
تعاملك مع ملاكك الصغير، يحتاج منك العطاء الوفير دون مقابل. طفلك بحاجة لكل طاقتك كي يكبر ويتعلم ويُكوِّن شخصيته. وتذكر دائما أن عبارة ” الله يسمحلنا من حق الوالدين ” لا تعنيك في شيء ما دمت في مستهل مشوارك لتربية أولادك. فازرع خيرا لتحصد خيرا حين يكبر أبناؤك فتصبح مسؤوليتهم بِرُّك ورعايتك.