الانتحار في المدن والقرى الصغيرة: صرخة صامتة تستدعي التدخل العاجل.

“شهد أحد أحياء مدينة الفضة تيزنيت أمس السبت 4 يناير 2025، حادثا مؤلما حيث أقدمت سيدة على محاولة الانتحار، من خلال تناولها لمادة سامة، وقد جرى نقلها على وجه السرعة إلى المستشفى الإقليمي الحسن الأول لتلقي العلاجات الضرورية لإنقاذ حياتها.”

 

مثل هذه الأخبار لم تعد نادرة كما قد يظن البعض، حيث أصبحت تظهر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي أو الجرائد الإلكترونية بشكل متكرر، أخبار عن محاولات أو إقدام على الانتحار، في مناطق لطالما ارتبطت بالهدوء والابتعاد عن ضغوط وصخب المدن.

 

على الرغم من الاعتقاد السائد بأن المدن الصغيرة والقرى هي مناطق للاستقرار والهدوء والسكينة، إلا أنها بدأت تشهد بين الفينة والأخرى حوادث مأساوية تعكس واقعا معقدا يحتاج إلى فهم أعمق وتحليل دقيق وجدي.

 

لماذا في نظركم يلجأ هؤلاء الأشخاص، غالبا في مجتمعات تقليدية ذات روابط اجتماعية قوية وأعراف متجذرة إلى هذا الخيار القاسي؟ ما الذي يدفعهم إلى اتخاذ هذه الخطوة في مجتمعات يفترض أنها بعيدة كل البعد عن هذه الظواهر التي بدأت تنتشر بشكل مخيف؟

 

الإجابة ليست سهلة لكنها ترتبط بمجموعة من العوامل المتشابكة ويمكن ان أختزل منها ما يلي:

 

  • التهميش والضغوط الاقتصادية، غالبا ما تعاني هذه المدن الصغيرة والقرى من نقص في فرص العمل، وضعف الخدمات الأساسية، وارتفاع نسب البطالة، مما يضع الأفراد أمام ضغوط نفسية متزايدة.

 

 

  • غياب الدعم النفسي الذي يمكن ان نربطه بضعف البنية التحتية للخدمات النفسية او العرض الصحي المقدم في هذا المجال، مما يجعل من الصعب على الأفراد الوصول إلى الدعم المناسب في الوقت المناسب.

 

  • العزلة الاجتماعية فبالرغم من التقارب الجغرافي، إلا أن التحولات الثقافية وانتشار التكنولوجيا الحديثة، خصوصا الهواتف الذكية، ساهمت في تقليص التواصل الفعلي بين الافراد بصفة خاصة والاسر بصفة عامة، مما جعل الكثيرين يشعرون بالعزلة داخل مجتمعاتهم وأسرهم.

 

 

وتظل الأحزاب السياسية بمختلف تلاوينها وتوجهاتها، لها قسط كبير من المسؤولية، فعليها أن تتحمل مسؤوليتها من خلال تضمين قضايا الصحة النفسية والتنمية الاجتماعية ضمن برامجها وسياساتها داخل دواليب الحكومة وهياكلها الخارجية والفرعية، لما يخوله الدستور من صحة وتعليم وشغل وحق في الحياة…

 

أما المجتمع المدني، فهو الاخر له قسط من المسؤولية عن مواجهة هذه الظاهرة، حيث يمكن للجمعيات الحقوقية والثقافية والتنموية وغيرها، أن تلعب دورا محوريا في التوعية بمخاطر الانتحار وتقديم الدعم اللازم للأفراد الذين يعانون في صمت.

 

لا يمكن التصدي لظاهرة الانتحار إلا من خلال وضع خطة وطنية شاملة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة وتتضمن إنشاء مراكز للدعم النفسي، وتوفير خطوط هاتفية مجانية للمساعدة الفورية، وتسليط الضوء على خطورة الظاهرة وسبل الوقاية منها من خلال قنوات الإعلام بكل اصنافها المسموعة والمقروءة والمكتوبة، وكذا توفير فرص عمل ودعم مشاريع الشباب مما يمنحهم شعورا بالكرامة والاستقلالية المالية، وأيضا تعزيز الروابط الاجتماعية والتشجيع على التكافل والمبادرات الإنسانية والخيرية داخل مجتمعاتنا.

 

 

إن ظاهرة الانتحار ليست مجرد أرقام أو أخبار عابرة، بل هي مأساة إنسانية حقيقية تستدعي تدخل الجميع، كل حالة انتحار تعكس قصة من المعاناة، وألما اجتماعيا عميقا، وخسارة لا تعوض للمجتمع، علينا أن نعمل جميعا كأفراد، ومؤسسات، وهيئات حكومية وغير حكومية..، للحد من هذه الظاهرة، وخلق بيئة أكثر أمانا ودعما لجميع الفئات، خصوصا الأطفال والمراهقين والمرضى النفسيين..، الذين هم الأكثر تأثرا بهذه الحوادث.

فلنتذكر دائما أن الصمت عن هذه الصرخات المكتومة قد يؤدي إلى المزيد من الخسائر التي يمكننا تفاديها وإنقاذها إذا بادرنا بالعمل الجاد والمسؤول اليوم قبل الغد.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد