هل بالفعل طهران عازمة على استهداف إسرائيل؟

أول ما يمكنني البداية به في هذا المقال هو اقتباس من تصريح لشبتاي شافيت، المدير العام السابق لجهاز الموساد خلال الفترة 1989-1996، حيث قال في أحد البرامج قبل أكثر من سنتين: “لقد قتل الكثير من الإيرانيين حول العالم في السنوات الأخير، هل بدأت الحرب؟ لا.

هذه العبارة التي قالها شافيت منذ أكثر من سنتين تشير الى إجابة مباشرة وواضحة على مر السنوات، رغم تعرض أبرز قياديي إيران العسكريين وعلمائها النوويين وشخصياتها السياسية لاغتيالات داخل وخارج التراب الإيراني، فإن ردها اقتصر دائما على الحرب الإعلامية وتبادل الاتهامات والتأكيد على أن الرد سيكون قاسيا وغيرها من المصطلحات التي تدخل في نطاق الحروب الباردة، دون أن يتحول ذلك الى مواجهة فعلية.

عند استعراض سجل وتاريخ الإغتيالات التي نفذها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) ، سنجد قائمة طويلة من الشخصيات التي لها وزن ومكانة داخل وخارج طهران ، من بين هذه الأسماء:

  • مسعود علي محمدي: أستاذ فيزياء الجسيمات في جامعة طهران، اغتيل في 12 يناير 2010، بانفجار دراجة نارية مفخخة عند خروجه من منزله في طهران.
  • مجيد شهرياري: مؤسس الجمعية النووية الإيرانية، الذي كلف بأحد أكبر المشاريع في المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، اغتيل يوم 29 نوفمبر 2010، بانفجار قنبلة ألصقت بسيارته في طهران.
  • داريوش رضائي نجاد: عالم ايراني، اغتيل في 23 يوليو 2011، برصاص أطلقه مجهولان كانا على دراجة نارية في طهران.
  • قاسم سليماني: جنرال وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري ، اغتيل في 3 يناير 2020، بضربة أمريكية في بغداد.
  • رضي موسوي: ضابط برتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني، اغتيل في 25 ديسمبر 2023، بغارة جوية نفذتها إسرائيل على منزله في حي السيدة زينب جنوب دمشق.
  • محمد رضا زاهدي: قيادي في فيلق القدس، تم اغتيل في 1 أبريل 2024 بغارة إسرائيلية على المزة في العاصمة السورية دمشق.

وكما قلت القائمة طويلة وهذه فقط بعض الأمثلة من هذه الاغتيالات وأهدافها وزمانها ومكانها، التي قامت بها عناصر الموساد الإسرائيلي داخل طهران وخارجها، وهذا يبين لنا بالدليل الملموس أن لا مجال للحظ فيها أو أنها وليدة اليوم، بل هي نظام متسلسل يعتمد على التركة الإستخباراتية التي يتعاقب عليها جيل من الإستخباراتيين، وهذا يدل على الإستمرارية لهذا الجهاز في التنقيب والبحث عن المعلومة، الذي لا يعرف التوقف ولا الراحة منذ تأسيه الى الان.

طريقة هذه الاغتيالات، تحيلني مرة أخرى الى إحدى تصريحات “شبتاي شافين” حينما قال “الاستراتيجية القتل المستهدف جيدة وفعالة”، هذا الكلام يستحق التأمل جيدا، خصوصا من رجل استخباراتي رفيع المستوى وأي تصريح له فله دلالات وخلاصات مهمة، تلخص لنا طريقة تفكير وتحليل هؤلاء، حيث قال بالحرف “عندما أحاول العثور على زعيم جماعة إرهابية لتصفيته وهو يعرف ذلك فسيقضي نصف وقته في حماية نفسه، وبالتالي لا يمكنه استخدام هذا النصف لتنظيم الإرهاب”.

هذا التصريح يعكس لنا فلسفة عمل إسرائيل وجهازها الإستخباراتي في مواجهة قادة حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية بالخارج، بالإضافة الى حزب الله والقادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين، فالهدف من هده الإستراتيجية ليس فقط تصفية القادة بل أيضا ابقاؤهم في حالة دائمة من التخفي والتنقل، مما يحد من قدراتهم على التخطيط والتنفيذ المحكم.

باختصار، تكمن مصلحة الموساد وإسرائيل، في ابقاء هؤلاء القادة اللدين يدافعون عن وطنهم ومقدساتها، في حالة من التخفي والتنقل الدائم المستمر، لان الوقت الذي يقضونه في اتخاذ هذه الاحتياطات، يصب في مصلحة أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، ولهذا نهجت هذه الخطة الفعالة، لكسب المزيد من الوقت، للتوغل واختراق هذه التنظيمات بهدف اقتناص صيد تمين يربك الخصم ويعزز أمنها.

رغم فعالية هذه الاستراتيجية على المدى القصير، إلا ان “شبتان شافين” نفسه يعترف بأنها ليست حلا نهائيا، فقد قال: “في الماضي كان اغتيال القادة يؤدي أحيانا الى انهيار تنظيماتهم بالكامل”، ولكنه أشار الى أن هذا لم يعد ينطبق بالضرورة في الوقت الحاضر، اغتيال زعماء التنظيمات والحركات قد لا يؤدي الى انهيارها بشكل كلي، وهذا اعتراف ضمني بفشل هذه الاستراتيجية، ويتضح ذلك في حالة الاغتيال الأخير لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في العاصمة طهران، حيث ردت الحركة بانتخاب يحيى السنوار بالإجماع لتزعم الحركة.

النظام الايراني رغم دعمه السياسي والعسكري لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسوريا، يتبع سياسة وأهداف تتقاطع مع مصالح إسرائيل نفسها، طهران ترى أن مصلحتها تكمن في بقاء بؤرة الصراع محتدمة وساخنة بعيدا عنها وعن حدودها، هذا التمويل والدعم ما هو إلا جزء من استراتيجية دفاعية متقدمة والذي سميته بـ (الجدار الدفاعي المتقدم)، تسعى من خلاله الى إبقاء النزاع بعيدا عن أراضيها.

الى جانب ذلك، تستخدم إيران المذهب الشيعي لتغلغل في بعض الدول المجاورة، بهدف خلق جماعات وتيارات موالية تدعم هذا “الجدار الدفاعي المتقدم”، ومع ذلك، طهران بدأت تواجه تدهورا داخليا تدريجيا، وهذا ما لا تريد ان ينتبه له الخصوم، حادثة سقوط المروحية التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي وإمام جمعة تبريز علي هاشم، ليست حادثة عادية، بل تعطى مؤشرا واضحا على ان إيران أصبحت مكشوفة أمام الاجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية والامريكية.

أعداء طهران التقليديين، يعرفون جيدا ان تهديداتها ووعيدها ما هي الا حرب إعلامية لا اقل ولا اكثر، وفي نفس الوقت وجدتها كل من أمريكا وإسرائيل دريعة وفرصة من ذهب من اجل إعادة الانتشار والتمركز الاستراتيجي لقواتها واسطولها الحربي بالمنطقة (الشرق الأوسط الجديد).

في الختام، لا يبدو أن إيران عازمة فعلا على مواجهة إسرائيل بشكل مباشر، حيث تكتفي بالرد عبر القنوات الإعلامية والدبلوماسية، ولكن مع تزايد الاختراقات الاستخباراتية التي تستهدفها، وازدياد وتباين ضعفها الداخلي، يبقى السؤال حول متى وأين وكيف سيكون الرد الإيراني الحقيقي معلقا في الهواء، وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تبقى المنطقة في حالة ترقب دائم، بينما تستمر إسرائيل في كسبها للمزيد من الوقت لتنفيذ استراتيجيتها الأمنية وتوغلها الاستخباراتي هنا وهناك.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد