القدس والعرب في محك النظر بقلم: عبدالله اكوري

إن العالم العربي بأسره- بأطفاله، بشيوخه، بشبابه، بساسته- قد سمع خبر اللحظة: القدس عاصمة إسرائيل.
إنه الخبر الذي كان العقل العربي يخشاه ويخشى سماعه،حتى أنه لم يكن يتوقع انه سيذاع وينشر في صفحات الجرائد بالضبط شهر دجنبر من عام 2017 ،بل كان يتصور أن الوقت لم يحن بعد. هذا ما يؤكد جليا أن العقل العربي،ورغم حبه للقدس كان يعتقد حق الاعتقاد أن القرار كان سيصدر يوما ما مهما طال الزمن.
أن هدا الخروج المكثف من الشعب العربي في شوارع جل المدن العربية تظاهرا لعدم احترام “ترامب” لخصوصيات العرب في فلسطين بمثابة شوكة حركت الجرح وسال منه الدماء الذي به سنعمل نحن على تجاوز الوضع، وأقول – تجاوز الوضع- ليس أننا نتقبل القرار ونتركه جانبا،إنما تقبُّل نسبي بحيث سيتيح لنا الفرصة في محاولة إدراكه.
انه اليوم -وان كان متأخرا بكثير- أصبح على العقل العربي محاولة فهم ذاته،محاولة الرجوع لذاته، انه اليوم الذي أصبح لزاماّ على كل عقل عربي أن يضع الشروط الأساسية في طرح أسئلة كلها تتمحور حول ذاته،هويته. إن نقد الذات العربية هو السبيل الوحيد في محاولة تجاوز القرار الذي أصدر في واشنطن،إن هذا النقد هو طرح أسئلة كلها تتيح للفرد العودة إلى ذاته إلى هويته أي ما بعد عربية وما بعد إسلامية أي ما بعد (عربية-إسلامية). انه بفعل هذه الأسئلة سنصل إلى مكمن الخطأ وبه نحاول المعالجة،”فحيت مكمن الخطر يكمن الحل” هايدغر
ورب سائل يقول ما علاقة (العربية –إسلامية) بقرار أمريكا ضد فلسطين؟
إن هذا القرار كان متوقعا وجل المثقفين كانوا في أتم الاستعداد لسماعه، لماذا؟ هذا هو السؤال الذي به سأحاول أن أبين للقارئ مكمن العطب في إصدار القرار ضدنا (عامة) وضد فلسطين (خاصة).
إن هذه الأمة في زمننا الحاضر أصبح الآخر أو (الغرب) ينظر إليها بمثابة طفل صغير لم يقدر على الحديث بعد، لم يبلغ أشده بعد،بل أصبحت بمثابة دُمية سيتحكم فيها الغرب كيفما شاء،ويتخذها كآلة بين يديه على غرار ما لمسته الدول العربية في الاستعمار. لماذا ؟ لأنها لم تستطيع بعد مواكبة العصر بتقنياته، لأنها لا زالت في عصر التخلف التقني والفكري، لازالت متخلفة نسبياً.
إن هذه الأمة مند حملة نابليون على مصر سنة 1789 التي يسميها البعض بصدمة الحداثة، وغيرها من النكبات والهزائم ضد الاسرائليين أبانت جليا للعقل العربي انه لم تكن في قدرته بعد اللوازم الكافية في مواجهة الأخر والتصدي له. بل استسلم له كل الاستسلام، وبدل العمل على تجاوز ذلك وتقبل الهزيمة والعمل على الوقوف للعدو نداً لند دهب العقل العرب إلى الرجوع للماضي وتمجيده، انه (النكوص الجماعي) بلغة كارل غوستاف يونغ العالم النفسي، إن العرب بدل العمل على تجاوز الخسارة كما فعلتها اليونان في خسارتها في الحرب العالمية الثانية إذ اعتبرت الهزيمة بمثابة نقطة الإنطلاق لتحقيق النتائج،وذلك ما تأتى لها الآن إذ أصبحت من الأقطار التي تشكل خطرا على أمريكا اليوم. وألمانيا نفسها رغم الهزيمة،عملت على تجاوزها وأصبحت اليوم الدماغ الذي يفكر للعالم،فنيتشه وهيدغر وهيغل وماركس وغيرهم خير دليل على كلماتي.
دعونا من اليابان وألمانيا ونعود لموضوع مداخلتنا، إننا كعقول عربية يجب أن نتجاوز هذا النكوص الذي نعود به دائما للوراء ونعمل على تمجيد ماضينا باعتبار أن الإسلام هو الدين الوحيدة القائمة على الحق ،وبأننا خير امة أخرجت للناس،وان اللغة العربية هي اللغة العظيمة باعتبارها لغة الكتاب المقدس(القسطاس المستقيم)، ونترك الحاضر في غياهب النسيان،مما يجعلنا نصطدم بقرارات تمس هويتها وشرفنا وحقوقنا كهذا القرار.
إن هذه الأمة اليوم أصبح عليها لزاما تجاوز تمجيد الماضي،ولا أقول القطع معه أو ما يعرف بمسح الطاولة(ديكارت)،إنما فقط تركه ومحاولة التأقلم مع الحاضر،فإسرائيل مثلا بما وصلته الآن من تقدم وما ستصله مستقبلا حسب التوقعات المستقبلية فهو أمر منبهر، ورغم ذلك لم تقوم بالقطع مع هويتها وقيمها.
نحن العرب اليوم أصبح علينا اكتر من أي وقت مضى النظر في دواتنا ونقدها من أجل مواكبة العصر التقني الذي تشهده الكونية اليوم،وهدا لا يعني أننا بمواكبة العصر سنجعل سدا منيعا بيننا وبين ديننا بل العكس فإبن رشد في عصره مثلا لاينظر لأسمى حضارات العالم تفكيرا (الحضارة اليونانية) نظرة اشمئزاز وتعصب،بل نظر إليها بأنها لا تشكل أي خطر على هويته بل هي السبيل للوصول للعالمية والتقدم، وعمل على الشرح حتى لقب بالشارح الأكبر،ونحن لا ننكر فضله الكبير في إيصال اللغة العربية إلى الكونية حيث معه أصبحت اللغة العربية لغة العالم والكونية مما اوجب على المفكرين المسيح وأوربا على تعلم اللغة العربية من اجل التقدم.واليوم للأسف الشديد اللغة العربية ينظَر إليها نظرة ارستقراطية متعالية لا قيمة لها بين اللغات والسبب هو نحن،لأننا لم نحاول إخراج دلك الماضي من الوجود القوة إلى الوجود الفعل باللغة الأرسطية، أي بمعنى أخر أن نعمل على أخد ذلك الماضي المقدس الذي لُقن لنا بالموئسة الدينية ومؤسسات أخرى ونحاول غربلته من اجل أن نجعله بمثابة جسر سميك به نصل إلى مواكبة العصر. بذلك فقط سنجعل أمريكا بترامبها ومن معه إلى وضع العرب في الحسبان. وضرب ألف حساب قبل إصدار أي قرار عليهم كهذا القرار،أما بدون ذلك فهيئوا أنفسكم لقرارات اكتر بكثير من هاته.

في الأخير،هذا فقط مجرد تمرين فلسفي واقعي لعقل عربي في طور النمو، وأتمنى ألا تفُهم أسطري بالخطأ، فنقد الذات لا أقصد بها بثانا تجاهل الماضي، والقطع معه أي مع الإسلام وإنكار الهوية العربية القومية،بل العكس فقط عدم المبالغة في التمجيد ومحاولة مواكبة العصر من اجل جعل الأمة توازي الأمم الاخري في شتى المجالات. وبها سنجعل الذي قال “القدس” عاصمة إسرائيل يغير جواربه ويقول القدس عاصمة لفلسطيـــن.
وختاما،فإن هذه الأفكار الواردة في هذه الدراسة مفتوحة أمام الجميع لمناقشتها بدون أي تحفُّظ ،أي بإمكان الجميع في تفنيدها أو تعديلها، فأنا دائما وفق قولة فقهائنا ” من اجتهد فأصاب له أجران،ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد”.

عبدالله اكوري: باحت بشعبة الفلسفة جامعة القاضي عياض،كلية الأدب والعلوم الإنسانية -مراكش

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد