في زمن يُفترض فيه أن تُدار الدولة ومؤسساتها بقيم الشفافية، الكرامة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، لا تزال بعض العقليات في مفاصل الإدارة المغربية، وخاصة على مستوى رجال السلطة بإقليم سيدي افني، تنتمي لحقب تجاوزها التاريخ، وتستدعي إلى الأذهان أسماء ووقائع ارتبطت بالقمع والتسلط، من زمن أوفقير إلى عقلية الكلاوي.
ورغم وجود مسؤولين ورجال سلطة يُشهد لهم بالكفاءة والأخلاق والمهنية العالية، الذين يواجهون الإشكالات اليومية بنَفَس مؤسساتي مسؤول، فإننا، في الضفة الأخرى، نصطدم مع نماذج من رجال السلطة ممن لا يزالون يعتبرون المواطن “تحت السلطة” وليس “شريكاً في الوطن”، ويخاطبونه بأساليب فجة لا تليق بالتحول الحقوقي والدستوري الذي التزمت به الدولة المغربية.
أن يُقابل طلب بسيط من مواطن يرغب في الاستفادة من مشروع اجتماعي تضامني، بعبارات استفزازية وتعامل فوقي من طرف رجل سلطة، فإننا نكون هنا أمام انحراف خطير عن روح الإدارة المواطنة. إن مثل هذه السلوكيات تفتح الباب لطرح سؤال جوهري: ما جدوى استمرار هذه العقليات في دولة أعلنت رسمياً عن القطيعة مع ممارسات سنوات الجمر والرصاص؟
تصرفات من هذا النوع، سواء عن قصد أو بجهل، تُعدّ من الأسباب غير المعلنة وراء تصاعد عدد طالبي اللجوء السياسي، وانتشار الرغبة في الهجرة السرية، خاصة في صفوف الشباب الذين فقدوا الثقة في عدالة الوطن وإنصاف مؤسساته. هؤلاء لا يهربون من الفقر فقط، بل من الإهانة، ومن شعورهم المتكرر بأنهم غرباء في وطنهم، وأن الإدارة لا تسمع إلا الصوت المرتفع أو المتملق.
من المبادئ الدستورية الراسخة، كما نص عليه الفصل 154 من دستور 2011، أن “المرافق العمومية تخضع في أدائها لمعايير الجودة، والشفافية، والمحاسبة، والمسؤولية”، وهي التزامات قانونية ومؤسساتية تُلزم كل مسؤول إداري بالتعامل مع المواطن بصفته حاملاً لحقوق، لا طالباً لامتيازات. كما تضمن ديباجة الدستور احترام “حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً”، ومن بينها الحق في المعاملة الكريمة والتواصل مع الإدارة في إطار قانوني واضح وشفاف.
أن ما تعرض له الاخ ابراهيم الحر صباح اليوم، وهو يقوم بالاجراءات الإدارية تتعلق بطلب الاستفادة من مشروع اجتماعي تضامني، لهو نتيجة مباشرة لسواد عقلية الانا ومن بعدي الطوفان،
فعوض أن يُستقبل الرجل بشكل محترم، ويُفتح معه حوار مسؤول يفضي إلى حل يرضي جميع الأطراف، حدت العكس، حيت قوبل طلبه بإقصاء، تجاهل، استفزاز. وكاد أن يتحول الاحتقان إلى وقفة، واعتصام، فاستدعاء قوات الأمن، فكتابة تقارير مفبركة، شيطنة المواطن، فاختلاق أزمة من لا شيء،
فلولا تدخل رجل سلطة شاب وقام بفتح حوار بأخلاق ومهنية عالية لتطورت الامور وتحول طلب لقاء مسؤول إلى معتصم….
إن مثل هذه الممارسات الصادرة من بعض رجال واعوان السلطة، والمبنية على منطق الترهيب وليس القانون، لا تؤدي إلا إلى مفاقمة الوضع الاجتماعي والنفسي للمواطن، وتُظهر الإدارة كخصم لا كشريك. فالتعامل مع المواطن يجب أن يُبنى على أساس العقل المؤسساتي لعصرنا، لا على عقلية رجال السلطة في الستينيات. لقد انتهى زمن “دعوه يأتي وسنؤدّبه”، لأن مثل هذه الذهنية لا تُنتج إلا كوارث اجتماعية، وانهياراً في الثقة المؤسساتية.
بقاء هذه العقليات المتصلبة في مناصب المسؤولية هو خطر حقيقي على استقرار المجتمع، لأن الظلم الإداري لا يُقابل بالقبول، بل يولّد احتجاجاً وتمرداً وهروباً من الوطن.
إن المرحلة تقتضي منا جميعاً دولة، مجتمعاً مدنياً، إعلاماً وحقوقيين أن نضع الأصبع على الداء، ونُطالب بالمحاسبة الفعلية لكل مسؤول يتجاوز حدوده القانونية ويُهين المواطنين.
فالوطن لا يُبنى بالتعسف, بل بالعدالة.
والكرامة لا تُطلب, بل تُضمن.