عبد الله بوشطارت المستاوي البعمراني يكتب عن ذكرى تأسيس مدينة إفني 6 أبريل 1934

آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2022 - 10:05 صباحًا
2022 04 07
2022 04 07
عبد الله بوشطارت المستاوي البعمراني يكتب عن ذكرى تأسيس مدينة إفني 6 أبريل 1934
ifninews

6 أبريل 1934 ذكرى تأسيس مدينة إفني من قبل الحاكم الاسباني على الجزر الكناري العقيد كاباص، ثم أصبحت تسمى مدينة سيدي إفني رسميا لدى مصالح الدولة المغربية، في حين أن الناس يعرفونها وينطقونها فقط ب إفني. قبل أن يتم الشروع في بناء المدينة تم عقد اتفاق سياسي مكتوب بين الحاكم العسكري الاسباني الذي نزل في بحر افني وإيمغارن آيت باعمران في قرية امزدوغ، النواة الأصلية للمدينة، هذا الاتفاق يسمى اتفاق أمزدوغ. وبما أنه كتب عقد اتفاق، يعني ضمنيا وجود مفاوضات قبيلة، وسرية. مع من كانت تتفاوض إسبانيا في شخص كاباص؟ بالتأكيد مع آيت باعمران، وبالأخص إمغارن امستيتن في شخص امغار حماد أو البشير المستاوي الذي قاد المفاوضات مع أسبانيا.لن نخوض في السياق التاريخي لتأسيس المدينة الذي بدأ منذ نهاية القرن 14 وبداية القرن 15 مع وصول غزوات البرتغال إلى الجزر الكناري وسواحل جنوب المغرب، ثم تبعتها أسبانيا وقامت بغزو وطرد البرتغال من الكناري وزاحمتها على سواحل الجنوب، وادعت أنها بنت بناية فيها في منطقة تدعى سانتاكروز ديلامار بيكينيا…وهذا الحق التاريخي الاسطوري لاسبانيا في افني وثقته رسميا مع المخزن المنهزم عقب حرب تطوان 1895- 1860. إلى 1912 في اتفاق مدريد حيث تمكنت أسبانيا بوضع حدود جغرافية لمستعمرتها المفترضة مع الجارة فرنسا الغازية.

إذن قضية تأسيس إفني كان قرارا اتخذته إسبانيا في مخيالها التوسعي عقب سقوط ما يسمى الأندلس، وطرد المسلمين بها، وعاقبتهم إلى الأبد، باحتلال سبتة 1415. وهي نفس المدة تقريبا التي قامت أسبانيا فيها بغزو الكناري الجزر الأمازيغية بالجنوب. فهل كانت إسبانيا تنوي احتلال افني كإجراء مماثل لاحتلال سبتة، أي بتأسيس مدن داخل بلاد الأمازيغ في النقط الجغرافية القريبة منها، لذلك نجد أن إسبانيا كانت تلوح بأن سانتاكروز او البناية التي شيدتها على سواحل الجنوب كانت هي طرفاية الحالية (كاب جوبي) كأقرب نقطة للجزر الكناري.

لكن أسبانيا عادت في مناسبات كثيرة تطالب ببناء مرفأ أساكا، وتتحدث عن حقها التاريخي في افني وليس طرفاية. وكانت نية أسبانيا بناء مرفأ بحري في أساكا، سببا في مراسلات عديدة جدا بين المخزن وأمراء تازروالت، وإيمغارن آيت باعمران، ثم مع قياد المخزن بتزنيت.. الخ.وختمت إسبانيا كل هذا المسار الكثيف تاريخيا بالتجاذب والأحداث والصراعات بتنزيل مدينتها الخيالية سانتاكروز إلى أرض الواقع تحت اسم إفني سنة 1934، ليس مع فرنسا وليس مع المخزن ولكن مع إمغارن ن آيت باعمران، إذن هذه هي الميزة الأولى في تأسيس المدينة.

الميزة الثانية هي أن المدينة تأسست باتفاق مكتوب يرضي الطرفين، إسبانيا وإيمغارن آيت باعمران، يعني سلط متكافئة.الميزة الثالثة هي أن المدينة تأسست بدون حرب، وهو عمل لم يكن سهل آنذاك، حيث خاض آيت باعمران حروب كثيرة مع فرنسا، التي كانت قد احتلت إذاك تزنيت ولاخصاص وكلميم. وسنة 1934 كانت فرنسا تشن حربا ضروس على قمم الاطلس الصغير في آيت عبلا، إلى صاغرو، وهو مجال حلف تاكيزولت، الذي تشكل آيت باعمران أحد أوتاده القوية.

مباشرة بعد عقد اتفاق امزدوغ وتأسيس المدينة، ذهبت أسبانيا إلى الحدود الشرقية لآيت باعمران وبنت مركزا لمراقبة المجال الترابي في كل من أندجا وإدعيسى. لترسيم الحدود حسب منطوق اتفاق 1912 مع فرنسا. وذلك ما أفضى مباشرة إلى عقد اتفاق جديد من نفس السنة عرف باتفاق الهنا بلاخصاص بين آيت باعمران وفرنسا وإسبانيا.

إذن، أصبحت لآيت باعمران مدينة، حاضرة، خاصة لهم، فهذا لم يحصل لهم في التاريخ منذ انهيار مدينة نول لمطة. يتساءل المؤرخ : لماذا لم يتمكن آيت باعمران من بناء مدينة أو حاضرة؟ فالنظر إذن يتجه صوب شروط بناء المدينة.فقراءة تاريخ المغرب وخاصة أقاصيه الجنوبية، يستشف أن تأسيس المدينة له، شرطان، حسب وجهة نظري، إذا توفر أحدهما أو هما معا، تلد الحاضرة وتنمو وتكبر، والشرطان هما التجارة والإمارة، ولنا في مدينة إليغ عاصمة إمارة تازروالت الدليل الساطع، ثم في تامدولت ونول وسجلماسة واغمات وتارودانت وغيرها… وحتى في تزنيت فتأسيسها يستجيب لوجود شرط الإمارة أي وجود المخزن فهي مدينة مخزنية تأسست لغرض مراقبة إليغ وتعويضها. لذلك نجد أن آيت باعمران منذ انحطاط نول لمطة، وما افرزه ذلك من حروب كثيرة بين المرابطون الذين هم أسلاف آيت باعمران والموحدون ثم المرينيون، وتحولات المجال أعقاب ذلك، جعلهم يوالون جهة تازروالت، حيث توجد مدينة إليغ.ولم تظهر المدينة بالشكل المعاصر إلا بظهور النظام الجديد، أي الذي فرضته الدول الاستعمارية، لكن إسبانيا لم تقم ببناء مدينة عسكرية بافني، على غرار ما قامت به فرنسا في مناطق عديدة وحتى اسبانيا في مناطق أخرى، لكن في افني حدث شيء مختلف ومميز، هو ان أسبانيا بنت مدينة مدنية وإدارية حديثة وعصرية في افني، وجعلت منها عاصمة لجميع مستعمراتها في افريقيا، وسمتها مدينة الورود بسبب كثرة الحدائق المتواجدة بها، كرد على الكتابات الفرنسية التي كتبت تقارير كثيرة على افني وتقدمها على أنها صحراء صخرية، وصحراء جرداء لا تصلح لأي شيء….

وفي المقابل كانت أسبانيا تهدف من وراء بناء مدينة إفني تفكيك المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية لنظيمة إمغارن الذين يتواجدون كلهم خلف هضبة إفني… وبالفعل ذلك ما حصل. فاختيار وسط تراب قبيلة إمستيتن لبناء مدينة إفني لمؤشر دال على ذلك الاستهداف. فبناء مدينة يعني بناء وصناعة هوية ثقافية جديدة متحكم فيها… أو على الأقل صناعة قالب جاهز لصناعة نماذج هويات ثقافية صغيرة مجزءة، في البدء كانت هوية اسبانية لكن في نهاية المطاف أصبحت هوية فاس. بحكم اتفاق فاس بين مدريد والرباط.وانطلقت الهوية الثقافية من أمزدوغ ثم إلى إفني ثم إلى سيدي إفني. وأصبحت افني نقطة صغيرة بين ثلاث عواصم كبري هي مدريد والرباط وفاس.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فمدينة افني عبرت مسارات وسياقات وأزمنة مختلفة، من سياقات التأسيس إلى زمن العاصمة للمستمرات الإفريقية خلال عهد الحماية الاسبانية، ثم تقلص حجمها بعد عودتها إلى المغرب، وعاشت كمدينة صغيرة تابعة لتزنيت التي كانت قاعدة عسكرية ومدنية لفرنسا، وتابعة لجهة سوس ماسة درعة. وبعدها، تحولت إلى عاصمة لإقليم يحمل نفس إسم المدينة، اذن تحولت من مدينة إلى إقليم يضم مجالات واسعة إلى حدود تازروالت وناحية آيت وافقا، ويضم الإقليم أيضا تحالفات سياسية قوية، إمجاض وآيت راخا ولاخصاص وهي احلاف سياسية واجتماعية قوية كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي. فتجاوزت بالتالي حدود اتفاق الهنا سنة 1934، وتجاوزت الحدود التي وضعتها أسبانيا لافني خلال التأسيس… وبعد أن تحولت افني من المدينة إلى الإقليم وتوسع في اتجاه الجبل دون أن يضم قبائل السيحل وآيت براييم، ودون أن يستعيد إكيسل وتوتلين وأباينو وتيليون بحكم انتمائها لآيت باعمران، إنضم إلى جهة گلميم وادنون، بمعنى عودة آيت باعمران إلى فضائه التاريخي الممتد أي فضاء لمطة ونول.

فإلحاق إمجاض لسيدي إفني، يفهم منه، الرغبة في فصلهم عن فضاء تازروالت، ولكن من دون قصد فهم يتكتلون مع آيت رخا ولاخصاص وآيت باعمران في اتجاه فضاء نول لمطة، باعتبارهم تكتل أمازيغي كبير لخلق نوعا من التوازن( المرابطون) ، لا يمكن فهم أسبابه كما لا يصعب فهم أسباب إلحاق طاطا بأگادير، (السعديون). بالرغم من أن افني حديثة العهد، فإنها تمكنت في وقت وجيز من بناء هوية ثقافية خاصة بها، تحولت عبرها من زمن المدينة إلى زمن الإقليم، لكنها لاتزال تعاني من عمليات التأثير الذي تمارسها عليها كل من تزنيت وأگلميم، كمدن أقاليم كانت تابعة لفرنسا، استطاعت أن تقاوم قدر الإمكان وسنوات طويلة، وتجعل لنفسها موطأ قدم بين محور تزنيت گلميم… وإن كانت قادرة على تحمل تبعات واكراهات ذلك، للتخفيف عن عزلة ساحلها المخيف وفشلت فشلا ذريعا إلى حد الآن، بجعل نفسها مركزا لمحور تزنيت إفني طانطان لاستغلال حيويتها البحرية.

في أثناء ذلك… خارت قواها وتفككت ولم تقدر على مواصلة التحدي والايقاع بعد مفاجئتها بمحور تزنيت – الداخلة، لتعود إفني إلى عزلتها الأبدية… فلاهي تطمح في طريع ساحلي، ولا طريق سريع، ولا هي تحلم بطريق سيار….لسان حالها يقول : كل الطرق تؤدي إلى إفني…

ifninews
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

لا يسمح بنشر التعليقات المسيئة أو التي تحمل كلمات نابية أو التي تمس بالدين والوطن والحرمات ..

google.com, pub-6836280101003033, DIRECT, f08c47fec0942fa0