أزمَةُ ثِقَةٍ أْمْ أَزْمَةُ تَدْبَيرٍ ؟ بقلم: عزيز امهوط

آخر تحديث : الخميس 27 فبراير 2020 - 8:52 مساءً
2020 02 27
2020 02 27
أزمَةُ ثِقَةٍ أْمْ أَزْمَةُ تَدْبَيرٍ ؟ بقلم: عزيز امهوط
ifninews

كثيرا ما تتباذر الى أذهاننا الكثير من التساؤلات / الإشكالات،التي تبدو للمواطن البسيط و المتَتَبٍّعِ العادي بسيطةَ الإجابةِ و سهلة الحلِّ، لكنها أكيد سهلة ممتنعة ،بِإِمتناعِ تحَقُّقِ شروطها الذاتية و المعنوية و بسهولة الخوض فيها نظريا / لا تطبيقيا ، مناسبةُ القولِ هي تواتُرُ الكثير من الفيديوهات هنا وهناك و التي توثق لحالات من التهجم على المؤسسات الصحية، تحت يافطة نقل المعلومة على المباشر ،وهي نقيضُ ما أُنتجت له و تُسقِطُ الناقِل من صف البطل الهمام و سيف الحق المسلول، الى درجة “ضحية بجهل القوانين” فينقلب السحر على الساحر، أكيد ان نقل المعلومة بقالب صحيح و بمنهجية سليمة و بأمانة هو المطلوب ومبتغانا المشترك ، لكن أن يُغَلَّفَ تمرير المغالطات و والأكاذيب بقالب “قول الحق”فذاك ما يسقطنا في “صدمة و حيرة كبيرين “، يُغفل الكثيرون (بغير قصد غالبا) أن المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي هي مشاكل بنيوية هيكلية تتشابك /تتوازى و تتقاطع لتنتج لنا عرضا صحيا يختلف تقييمه باختلاف المواقع و زوايا التحليل ،فزاوية نظر المواطن المغلوب على أمره، تُخالف زاوية المثقف “العضوي”حسب وصف المفكر الايطالي العملاق كرامشي ؛ و تتعارض في أحايين كثيرة مع نظرة ابن القطاع فأن يكون العرض الصحي هزيلا او معقولا هي نتيجة و تحصيل حاصل ؟؟؟؟

يكتفي الآخرون بالخوض في النتائج وطرح الفرضيات المتعلقة به ( la liaison de cause à effet) وهي وإن حملت بين طياتها صوابا فهامش الخطأ يبقى كبيراااا… الخوض في العرض الصحي و تحميل فشل المنظومة للموظف البسيط و المغلوب على أمره يستوجب الوقوف على مكامن الخلل الحقيقة ،

1.ضعف الموارد المالية : فالناتج الداخلي الخام المخصص لوزارة الصحة بالمغرب يشكل وفقط 5.5% في مقابل 10% الذي تدعو اليه المنظمة العالمية للصحة و المعمول به في كثير من دول الجوار (جيبوتي مثلا )

قس على ذلك الميزانية العامة للدولة المخصصة للقطاع الصحي هي وفقط 14%(18,6 مليار درهم) 3% اي 3 مليار درهم للاستثمار (بنيات تحتية. مستشفيات……. )

ويسير في نفس المنحى معطى كون الصحة لم تعد شأنا لقطاع الصحة فقط، بل تتجاوزه الى مجالس منتخبة ومدى قدرتها على المساهمة في الرقي بالقطاع من خلال شراكات /دعم ،بلورة مشاريع….، وضع تصورات …. فمصطلح وزارة الصحة العمومية” من منطلق فهمها ب “مجانية العلاج و فابور….”اصبح معوضا ب “وزارة الصحة” لما لذلك من مدلولات عميقة وما واكبها من تغيير في أنماط تسيير المصالح الصحية خاصة الاستشفائية منها (SGMA /en REGIE….), وكل ما وازاه من تغيير للنظرة للمواطن/ المرتفق من مريض الى زبون du malade au client ، لخلق تنافسية من حيث جاذبية العرض الصحي بين المؤسسات…

2.الموارد البشرية: فمستوى التوظيف لا يتعدى 4000 موظف ( جميييييع الفئات متضمنة أطباء / ممرضين / اداريين/ تقنيين…..باختلاف تخصصاتهم) وبلغة الخشب ميزانية لا ترقى لأن توفر للقطاع احتياجاته من الموارد البشرية / المادية / اللوجيستيكية فحسب المنظمة العالمية للصحة (يتوفر المغرب فقط 25000 طبيب لازيد من 30 مليون مواطن اي بمعدل 07 اطباء لكل 10000 مواطن) وهي معدلات جد جد هزيلة تنعكس سلبا لا محالة على القطاع ككل، (في تونس 21 طبيب لكل 10000نسمة ،/ كازاخستان 20طبيبا لكل 10000نسمة …/.اوزاكستان تفوق عشرين طبيبا لكل 10000مواطنا ،بل حتى جزر الباهاماس تتجاوزنا بكثير في هذا المنحى ….).

وقِسْ على ذلك الفئات الاخرى المحورية لقطاع اجتماعي / بل اكثر القطاعات اجتماعية ، فكل ممرض يزاول عمل 07 ،مع مفارقة عجيبة تكمن في كثرة الخريجين المعطلين و حافل من الطلبة ممن يتحسسون رؤوسم في ظل قتامة المستقبل ( قد نسمع بممرضين فرض عليهم التعاقد قريبا، ) في ظل ما يُقرؤ من بعض الدوريات و القرارات الصادرة مؤخرا ، رغم أن الاقدام على الخطوة تستلزم خلق وكالات جهوية للصحة مستقبلا، والتي قد تُجازي مشروعا للخوصصة انطلقت شرارته منذ منتصف العقد الاول من القرن21 ، من المؤشرات الإمبريقية المقلقة أيضا والتي تَرُجُّ بكل ثقلها ،الساسات الحكومية في قطاع الصحة هي تعاقب المسؤولين باختلاف مراكزهم و مسؤولياتهم على تدبير القطات ، ففي أقل من عقد من الزمان تعاقب 5 وزراء على رأس قطاع الصحة اي بمعدل وسطي يعادل سنتين لكل وزير/ اي سنتين لكل استراتيجية /خطة عمل / تصورات / مخططات …. وهو ما خلق قطيعة حقيقية ونشازا في تنزيل المقتضيات الاستراتيجية لوزارة الصحة على المدَيَيْنِ المتوسط و البعيد ،ومنه فتح باب “الارتجالية” في تسيير قطاع اجتماعي يشهد الجميع على وفاته الإكلينيكية…

لن نخوض كثيرا في البنيات التحتية و اللوجستيك لأن واقع الحال لايدع مجالا للشك في اهترائها و كونها تحتاج الى سفر في الزمكان لتلحق بما هو مرجو و مطلوب ……. إنه فقط غيض من فيض ، دون خوض في غياهب الأمور الموظف البسيط، يا سادتاه، بالمراكز الصحية ،و بالمراكز الاستشفائية ماهو الا مواطن بسيط ،يرزح تحت طائلة مشاكل بنيوية ، ذنبه الوحيد هي كونه في احتكاك مباشر مع معاناة المرضى و مزاجيات المرتفقين ،وهو “طْفَّايَة دْالعافية ” في ظل هكذا ظروف؛ يراعي ظروف الكل ، ” وحِربَائِيَّتُه مكتسبة “بالفطرة ليواكب اختلاف الأحوال و الظروف ، أظن جاهدا اننا نتقاسم ككل مسؤولية ما يقع ، مسؤولين ،مواطنين /موظفين …… الأخطاءُ إنسانيةٌ بطبعها لكن وجب ان نتواضح مع ذواتنا وبيننا البعض ، فغياب التواصل / و الأبواب المفتوحة لعرض المنجزات و الإكراهات في مناسبات رسمية وغير رسمية / ندوات /لقاءات خلق الفَجْوةَ بين القطاع الصحي و بين المرتفقين و جعلنا ندبر وفقط أزمة “فقدان الثقة” اقول أن َّ المسؤولية مشتركة لأن الأخطاء واردة من الجانبين ولست أنزه أي طرف على الاخر.

فنحن مواطنون وابناء طبقات شعبية كادحة قبل ان نوشح بأرقام تأجير تجعلنا موظفين. لامجال لتجويد الخدمات ،دون ارادة حقيقية تعالج جذريا ( traitement radical) المشاكل البنيوية للقطاع وما دون ذلك من مساحيق وترقيعات لا يعدو ان يكون علاجا أعراضيا (traitement symptomatique)

عزيز أمهوط : باحث في السياسات الصحية(المدرسة الوطنية للإدارة الصحية بالرباط)

ifninews
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

لا يسمح بنشر التعليقات المسيئة أو التي تحمل كلمات نابية أو التي تمس بالدين والوطن والحرمات ..

google.com, pub-6836280101003033, DIRECT, f08c47fec0942fa0