
في زمن تاهت فيه القلوب بين زحام الدنيا وصخبها، لا يزال في الأرض بقاع تنبض بأنوار الصفاء، ومجالس تعلو فيها رايات الذكر، وتستنير العقول بمصابيح العلم، وترتقي النفوس بمعاني التزكية والسلوك، في مثل هذه المجالس، حيث تحضر القلوب قبل الأجساد، وحيث الكلمة الطيبة ماء يروي عطش الروح، يتجلى أثر الصحبة الصالحة في شحذ الهمم، وإحياء النفوس التي أنهكها طول الغفلة.
لم يكن اللقاء الذي جمع الفنان الأمازيغي عبدالله الفوى بمريدي وطلبة العلم والذكر في المدرسة العلمية العتيقة سيدي زكري أيت أيوب، إقليم سيدي إفني، مجرد زيارة عابرة، بل كان شاهدا على عظمة هذه المجالس، التي تذكر المرء بجوهر وجوده، وتعيد ترتيب أولوياته، وتمنحه لحظات من الصفاء وسط عالم تكثر فيه الفتن، وتشتد فيه غواية المادة.
إن حضور الفنان وهو ابن بيئته وتراثه، إلى هذا الصرح العلمي العريق، يبعث برسالة عميقة: أن الفطرة السليمة مهما جالت بين دروب الحياة، لا بد أن تجد سكينتها في ذكر الله، ولا بد أن تهفو إلى المجالس التي تذكرها بمالها الحقيقي، وتعيدها إلى أصلها الطاهر، حيث النور، وحيث الطمأنينة الحقيقية التي لا تنال إلا بالقرب من الله.
في حضرة شيخنا وعالمنا الجليل، سيدي الحاج إبراهيم امراح، حفظه الله وأطال في عمره، وبين طلبة العلم وأهل الذكر، كان اللقاء لقاء للقلوب قبل الأجساد، لقاء تحفه البركة، وتتنزل فيه السكينة، ويستشعر فيه أثر الصحبة الصالحة التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير”.
إننا في أمس الحاجة اليوم إلى مثل هذه اللقاءات، التي تعيد إلينا الإحساس بمعاني الصفاء، والتي تجعلنا ندرك أن الرقي الحقيقي ليس في زخرف القول ولا في بريق الماديات، بل في سمو الروح، واستقامة القلب، وتزكية النفس بالعلم والذكر، فكم من قلب أثقلته الهموم وجد في مجلس علم نورا أزاح عنه ظلمة الغفلة، وكم من نفس ضاقت بالدنيا، فكان لها الذكر بابا إلى سكينة لا توصف.
ما أجمل أن نعيد لمثل هذه المجالس مكانتها، وما أعظم أن نجعلها قبلة لقلوبنا، قبل أن يسرقنا الزمن، ونندم على لحظات كان يمكن أن تفيض فيها أرواحنا بالطمأنينة، لو أننا فقط أقبلنا على مجالس النور، حيث “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
لا يسمح بنشر التعليقات المسيئة أو التي تحمل كلمات نابية أو التي تمس بالدين والوطن والحرمات ..