معالم حقوق الإنسان في ظل جائحة كورونا ” المملكة المغربية أنموذجا”

آخر تحديث : السبت 2 مايو 2020 - 5:53 مساءً
2020 05 02
2020 05 02
معالم حقوق الإنسان في ظل جائحة كورونا ” المملكة المغربية أنموذجا”
ifninews

تعتبر قضية حقوق الإنسان من القضايا القديمة قدم حركة الفكر الإنساني لإصلاح أوضاع الإنسان وتقويمها، وقدم الديانات السماوية الموحدة التي نزل بها الوحي قصد تأهيل الإنسان لخلافة الله في الأرض.

وبالرغم من العمق التاريخي الذي تتمتع به والإرث الحضاري الذي تزخر به، إلا أنها لم ترق إلى  المستوى القانوني والتطبيق العملي المنشود إلا في العقود الأخيرة، وأضحى بذلك محور حقوق الإنسان من المحاور التي أثارت نقاشا مستفيضا واهتماما بالغا على المستوى الوطني والدولي،فتدخلت المجموعة الدولية وقرت حقوقا للأفراد، من خلال اتفاقيات دولية وإقليمية مما جعل هذه الحقوق تأخذ صبغة دولية.

وجدير بالذكر أن المملكة المغربية عرفت تقدما ملحوظا في هذا المجال وقطعت أشواطا لا يستهان بها، وضمنت للأفراد حقوقهم وحرصت على تثبيتها وإرسائها.

وقد انخرط المغرب في منظومة حقوق الإنسان منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وتم وضع اللبنات الأساسية الأولى لحماية حقوق الإنسان سنة 1990، من خلال إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

وبمجرد اعتلاء صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله العرش تضاعفت الجهود بغية توسيع وتطوير نطاق حقوق الإنسان، فوقع المغرب على اتفاقيات تروم حماية هذه الحقوق واستمرارها سواء في حالة السلم أو ا الحرب وكذا في حالة الطوارئ.

ومعلوم أن العالم اليوم يعيش حالة طوارئ بسبب جائحة فيروس كورونا كوفيد 19، وتعد المملكة المغربية من البلدان التي تعيش هذه الحالة، فبادرت إلى اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية لمنع انتشار هذا الوباء الفتاك.

إن المملكة المغربية تعتبر من البلدان السباقة إلى اتخاذ تدابير وقائية وإجراءات احترازية، فبادرت إلى إغلاق الرحلات الخارجية (حضر السفر)، والعديد من المرافق العمومية (المدارس)، وأهابت بعموم المواطنين إلى الانخراط والمساهمة القويين بمسؤولية وحس وطني والتجاوب الإيجابي مع مختلف التوجيهات والإجراءات المتخذة لتدبير هذا الطارئ الاستثنائي.

فما هي معالم حقوق الإنسان في التدابير الاحترازية المتخذة من طرف الدولة المغربية لمواجهة فيروس كورونا كوفيد 19.؟

للإجابة على هذا السؤال نقترح تناول الموضوع وفق الخطة المنهجية التالية.

  • المطلب الأول. إغلاق المدارس وضمان الحق في التعليم.
  • المطلب الثاني . تقييد حرية التنقل وحضر السفر.

  المطلب الأول. إغلاق المدارس وضمان الحق في التعليم.

منذ تفشي فيروس كورونا سارعت العديد من بلدان العالم إلى إغلاق أبواب المدارس، مما أدى إلى انقطاع تعليم مئات الملايين من التلاميذ والتلميذات في جميع الأسلاك.

ومعلوم أن جميع المواثيق والصكوك الدولية لحقوق الإنسان أكدت على أهمية التعليم لما له من دور هام في التنمية وضمان كرامة الإنسان وحريته، فقد تطرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديباجته والمادة 2 منه إلى هذا الحق، وتناوله العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادتين 13و14، كما أكدت عليه اتفاقية حقوق الطفل في المادتين28و29، واعتبرته حقا أساسيا، فضلا عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في المادتين  5و7.

ولا يمكننا التطرق إلى الحق في التعلم دون ذكر اتفاقية اليونسكو الخاصة بالتعليم وهي اتفاقية خاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم.

أما على الصيد الإقليمي فتمة نصوص إقليمية مهمة أهمها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان في المادة 17، والميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادتين 40و41.

إن حق التعليم مكفول لجميع الشعوب بغض النظر عن جنسها ولونها وانتمائها في جميع الأحوال والأزمنة،ونظرا للحالة الاستثنائية التي تعيشها بلدان العالم بأسره بسب تفشي  فيروس كورونا كوفيد 19، فقد اضطرت جل البلدان إلى إغلاق أبواب مدارسها فحرم بذلك  عدد من التلميذات والتلاميذ من هذا الحق.

ولضمان حق المتعلم في التعلم أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة(اليونسكو) الدول أن تعمل على إيجاد حلول قائمة على التكنولوجيا المتطورة أو البسيطة … لضمان انتظام واستمرار عملية التعلم.

إن دول العالم اليوم منخرطة في هذا التحدي الجديد لضمان سيرورة التعليم وايصال التعلمات إلى المتعلمين من خلا تسخير الأدوات المتاحة لذلك، باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة وقنوات فضائية وغيرها من الوسائل التي توصل المعلومة إلى المتعلم.

ويعد البلد المغربي من البلدان الذين انخرطوا بجدية في هذا التحدي الكبير من خلال تسخيره طاقاته البشرية واللوجستيكية  لإنجاح هذه العملية التعليمية، فتم فتح منصات وبوابات لهذا الغرض وانخرط السادة الأساتذة في هذه العملية بمسؤولية وبحس وطني لا مثيل له كل من موقعه وتخصصه ووسائله المتاحة،وقامت الوزارة بإعادة جدولة الخطة الدراسية بما يضمن استدامة التعليم والتعلم عن بعد، لكن إذا وقفنا وقفة تأمل وتأملنا مليا في هذه التجربة من خلال الواقع المعاش بما في ذلك وضعية التعليم في بلادنا، سندرك أن التدريس عن بعد يعمق الفوارق الطبقية ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، خصوصا مع غياب وسائل العمل التكنولوجية في جل المؤسسات التعليمية وافتقاد العديد من الأسر وأولياء التلاميذ بالعالم القروي لجهاز التلفاز فضلا عن الهواتف الذكية والحواسيب والانترنيت، ومعظم التلاميذ لا يملكون صبيبا ولا هواتف ذكية بل هناك من لا يجد مساندة من آبائهم في حين يحظى آخرون بكل ما سبق.

وعلى هذا الأساس وفي ظل استمرار هذه الجائحة نسأل الله أن يرفعها عنا وعن الأمة جمعاء فإن تمة أخطار تهدد  أبناءنا المتعلمين في هذه الأزمة،أهمها غياب تكافؤ الفرص وانعدام المساوات في التعليم مما سيزيد من وثيرة معدلات التسرب والهدر المدرسي في صفوف أبناء الفقراء خاصة، الأمر الذي سيحدث اضطرابا كاملا في حياة العديد من المتعلمات والمتعلمين وأهاليهم كذلك، مما يستوجب وضع حلولا أكثر نجاعة تضمن لهذه الفئة الفقيرة المهمشة حقهم في مسايرة هذه التجربة  – التعليم عن بعد – في خضم هذه الأزمة.

ومن الحلول التي يمكن للدولة أن تعمد إليها لجعل هذه الفئة تتمتع بحقها في التعليم وتواكب العملية التعليمية التعلمية عن بعد ما يلي.

  • توفير لوحات الكترونية لجميع الفئات الفقيرة والمتوسطة .
  • التنسيق مع شركات الاتصالات لإعفاء هذه الفئة من الرسوم.
  • تمكين جميع المتعلمات والمتعلمين من الدخول المجاني إلى المنصات التعليمية ووسائل التواصل الأخرى.
  • توعية الأسر بأهمية التعليم عبر قنوات فضائية ووسائل التواصل الاجتماعي.
  • زرع الثقافة الرقمية في صفوف المتعلمين وأسرهم .

ومع كل هذا وفي ظل توفير الدولة لهؤلاء المتعلمين جميع الحلول والبدائل لضمان استدامة التعليم والتعلم، ونجاح هذه التجربة في هذه الظرفية، فإن التعليم عن بعد لا يكمن بحال من الأحول أن يقوم مقام الممارسة الصفية وأن يعوض التواصل الحضوري وهذا ماتفطنت  إليه الوزارة وصرح به وزير التربوية الوطنية مشيرا إلى ضرورة اعتماد فترة استدراكية بعد استئناف الدراسة.

إن هذه التجربة المغربية المتواضعة ساهمت بشكل جزئي في ضمان إنجاح عملية التعلم عن بعد وضمنت لبعض تلاميذ المملكة حقهم في  التعليم والتمدرس، لتكون بذلك الدولة المغربية من خلال هذه التجربة قد ساهمت في ضمان حق من حقوق الإنسان  – حق التعليم-  لفئة معينة  وحرمت  فئة أخرى من هذا الحق بقصد أو بغير قصد.

المطلب الثاني. تقييد حرية التنقل وحضر السفر.

معلوم أن حرية السفر ترتبط بذات الإنسان وتعبر عن رغبته في اختيار الوجهة التي يرغب فيها ويحن إليها، وهي من أهم الحريات الفردية الملازمة للإنسان، وبدونها تتحول الكثير من الحريات إلى  شعارات فارغة ولا معنى لها واقعيا.

فحرية السفر مكفولة بمقتضى المواثيق الدولية، إذ ورد التنصيص عليها  في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، في المادة 13بقوله ” لكل فرد الحق في حرية التنقل واختيار محل الإقامة داخل حدود الدولة، كما له الحق في مغادرة أي بلد بما فيه بلده الأصلي أو العودة إليه في أي وقت”

وهو الأمر ذاته الذي أكده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المواد 12و13، وأكدت عليه اتفاقية الأمم المتحدة  للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري  لعام 1965 في مادتها الخامسة، وكذا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 في المادة 22، وغيرها من المواثيق الدولية.

فهذه الترسانة القانونية تؤكد بشكل جلي أن حرية السفر تعد من الحريات الأساسية  التي لا غنى عنها في جميع البلدان، وليس للسلطات العامة أن تحد منها  أو تضيق من نطا قها إلا في الحدود التي تصون المصالح العليا للبلاد.

و حرية التنقل تعد من الحريات التي يحترمها الدستور في كثير من الدول ولا يمكن فرض قيود على هذا الحق إلا إذا كانت مشروعة ولهدف مشروع، ولذلك فقرار حظر السفر وتقييد حرية التنقل يجب أن يكون قرارا معللا يتغيى الحفاظ على المصلحة العامة للبلاد ولمواطنيه، وللحكومات سلطة واسعة بموجب القانون الدولي بحظر دخول المهاجرين من دول أخرى متى دعت الضرورة إلى ذلك كمنع انتقال العدوى وانتشار المرض حفاظا علا صحة المواطنين وحياتهم.

فحق الحياة  يعتبر أغلى حق يملكه الإنسان في هذه البسيطة، وهو الحق الأول الذي يجب الحفاظ عليه.

ولذلك سارعت الحكومة المغربية بتنفيذ قرار حظر السفر والتنقل المؤقت، وفرضت حجرا صحيا واسعا وأغلقت الحدود  وقيدت من تنقلات الأشخاص داخل المدن، مع السماح لذوي الظروف الصحية الصعبة وبعض الأطر والعاملين والموظفين في القطاعين العام والخاص بالعمل لضمان دوام العجلة الاقتصادية، وعززت المراقبة ووضعت عقوبات زجرية للمخالفين من أجل سلامة المواطنين والحفاظ على أرواحهم وحقهم في الحياة.

لكن هذا الحق- حق الحياة- لا يكتمل ولا يوصف بأنه محمي إلا إذا قصد به الحماية للحياة الكريمة، والتي لا تتحقق إلا بوجود حقوق  البقاء، فهي التي تكفل الموارد الضرورية للبقاء على قيد الحياة، وتتضمن بشكل رسمي الحق في الغذاء باعتباره شرط الحياة والوجود والحق في الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي،فالشخص إذا لم يحصل على رزقه الذي يبقيه حيا أو أدت محدودية الموارد إلى جعل الحياة مهددة فإن مصيره الهلاك والموت سواء بسبب الجوع أو الأمراض،فقد نصت المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة،كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الصحية.

ومنذ إعلان الدولة المغربية حالة الحجر الصحي والقاضي بحضر التجوال في كل أنحاء البلاد وإغلاق جمل المحلات وتعطيل جميع المرافق العمومية (المقاهي – الحمامات…) التي تشكل مورد رزق لجم غفير من الناس والأسر،فإن كثيرا منها ونظرا لأو ضاعهم الهشة بسبب مواردهم الهزيلة، والتي انقطعت بسبب فرض الحجر الصحي تعاني الويلات وفي حاجة إلى الطعام والكسوة والدعم المادي والمعنوي كذلك.

وعلى هذا الأساس ونظرا لكون الدولة المغربية صادقت على مجموعة من المواثيق والاتفاقيات الدولية الملزمة لدول الأطراف حماية حقوق الإنسان سارعت إلى رد الاعتبار لهذه الفئة وضمان حقوق البقاء لها للحفاظ على حقها في الحياة، من خلال رصد دعم مالي شهري طيلة هذه الأزمة، فضلا عن مبادرات فردية وجماعية من المحسنين وجمعيات المجتمع المدني والمجالس الإقليمية وغيرها من المبادرات التي تعبر عن  نبل أخلاق المغاربة واستشعارهم بأهمية وقيمة التضامن في الإسلام.

فحقوق الإنسان تظل دائما مطروحة في حالات الحرب والأوبئة، وفي الحالات التي يفرض فيه الوضع تقييد وتعليق بعض الحقوق لحماية حق آخر أسمى وهو الحق في الحياة، فإذا قابلنا هذا الحق مع الحق في التنقل أو التجوال فسنجد أن الحق في الحياة أسمى وأغلى وأساس الحقوق كلها، ففي حالة إهدار حق الحياة فإن باقي الحقوق لن يكون لها معنى.

وعلى هذا الأساس فإن تعليق ممارسة حق التنقل وحضر السفر كان لحماية الحق في الحياة وليس لخرق المبادئ المتعارف عليها حقوقيا والمنصوص عليها في المواثيق الدولية، فإعلان حالة الطوارئ وتقييد حرية التنقل من طرف الدولة المغربية هدفه حماية الحق في الحياة بسبب ما قد يسببه انتشار الوباء من تهديد للأمن الصحي ومن خلاله للحياة.

وعليه فإذا كان حق التجوال حقا فرديا من حقوق الإنسان فإن حق الحياة هو حق مشترك لجميع الناس، فلا يمكن المس به مهما كانت الدواعي والمبررات.

فالدولة المغربية من خلال هذا الإجراء الاحترازي حافظت على حق من حقوق الإنسان والممثل في حق الحياة وضمان سلامتهم  من خلال حظر السفر وتقييد التنقلات داخل المدن.

وهكذا فإن الخطوات المتخذة من طرف الدولة المغربية من إجراء احترازية واسعة لتعزيز الوقاية وحماية المجتمع من التداعيات المحتملة مند تسجيل أول إصابة إلى الآن دليل على وعيها الكامل بمسؤوليتها تجاه المواطنين وتقديرها لحقوقهم المتنوعة والمتعددة.

وبالمقابل فإن هذه الإجراءات المتخذة تعد من التدابير الاستثنائية التي تتخذ فقط عندما يكون ذلك مبررا وضروريا.

ifninews
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

لا يسمح بنشر التعليقات المسيئة أو التي تحمل كلمات نابية أو التي تمس بالدين والوطن والحرمات ..

google.com, pub-6836280101003033, DIRECT, f08c47fec0942fa0